المادة    
اختلف العلماء في الحوض: هل هو مختص بالنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم أن غيره من الأَنْبِيَاء لهم حوض؟
وسبب الاختلاف: يرجع إِلَى الحكم في تصحيح النقل في ذلك، لأن علماء أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ كما علمنا في باب المغيبات وغيرها إنما يتبعون النقل الصحيح عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا النقل ورد فيه حديث رواه التِّرْمِذِيّ {إن لكل نبي حوضا} وهذا الحديث قال التِّرْمِذِيّ بعد أن ذكره: اختلف في وصله وإرساله، والمرسل أصح، وهذا القول هو الصحيح.
وقال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- المرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن فالحديث مرسل، فمن يعمل بالمرسل -من الفقهاء- فقد رأى أن هذا الحديث صحيح وثابت، والاستدلال به جائز، ومن كَانَ لا يقبل المرسل أو لا يعمل به أولم يثبت لديه هذا الحديث -وهو مذهب المحدثين- فلا يثبت، وعليه فلا نثبت لغير النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوضاً، إلا أن يصح النقل من غير هذه الطريق
.
ولهذا عقب الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى هذا فقَالَ: "فإن ثبت فالمختص بنبينا صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكوثر الذي يصب ماؤه في حوضه، فإنه لم ينقل نظيره لغيره فوقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة)، وهذا الكوثر كما مر معنا في طرق حديث الإسراء: نهر في الجنة، وهذا النهر الذي في الجنة -كما سيأتي في الحديث الذي رواه الإمام أَحْمَد هنا- هو يصب في الحوض، وبهذا يجمع بين الروايات في الحوض وفي الكوثر.
وروى الإمام أَحْمَد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وهو من ثلاثياته عن أنس، قَالَ: {أغفى رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إغفاءةً فرفع رأسه متبسماً إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فَقَالَ رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه أُنزلت علي آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ))[الكوثر] حتى ختمها ثُمَّ قال لهم: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قَالَ: هو نهر أعطانيه ربي -عَزَّ وَجَلَّ- في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يَوْمَ القِيَامَةِ آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب! إنه من أمتي، فيُقَالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك}.
ورواه مسلم ولفظه: { إنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يَوْمَ القِيَامَةِ}، فيلاحظ أنه سمى النهرُ حوضاً، والحوضُ نهراً، وذلك ثابت في طرق كثيرة غير هذه
.